كان واصل بن عطاء معتزليا وكان به لثغة، ومن عجيب خطبه، هذه الخطبة التي تجنب فيها حرف الراء، حتى لا يظهر عيبه النطقي:
الحمد للّه القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في عُلوّه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يئوده حفظ ما خَلَق، ولم يخلقه على مثالِ سبق، بل أنشأه ابتداعا، وعدّله اصطناعا، فأحسن كلَّ شيء خلقه وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدَلَّ على ألوهيَّته، فسبحانه لا معقّب لحكمه، ولا دافع لقضائه تواضع كلُّ شيء لعظمته، وذلَّ كلُّ شيء لسلطانه، ووسِعَ كلَّ شيء فضلهُ، لا يعزُب عنه مثقال حبّةٍ وهو السميع العليم. وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا مثيل له (١)، إلها تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كلِّ مخلوق، وتنزّه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يعصىَ فيحلم، ويُدعَى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأشهد شهادةَ حقّ، وقولَ صدق، بإخلاص نية، وصدق طويةّ (٢)، أنَّ محمد بن عبد الله عبده ونبيه، وخالصتُهُ وصفيّه، ابتعثه إلى خلقه بالبينات (٣) والهدى ودين الحق، فبلَّغ مألُكتَهَ (٤)، ونصح لأمته، وجاهد في سبيله، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا يصدُّه عنه زعم زاعم، ماضياً على سنتّه، موفياً على قصده، حتى أتاه اليقين. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى، وأتم وأنمى، وأجل وأعلى صلاةٍ صلاّها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.
أوصيكم عباد الله مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته، والمجانبة لمعصيته.
(١) لا مثيل له، ساقطة من مفتاح الأفكار والأدبيات والجمهرة. وفي مسالك الأبصار:
«لا شريك له»، تحريف.
(٢) في مسالك الأبصار وجميع المطبوعات: «وصحة طوية».
(٣) في المفتاح والأدبيات وجمهرة خطب العرب: «بالبينة».
(٤) المألكة: الرسالة.